/ الفَائِدَةُ : (134) /

30/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / مشيئة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تجلِّي لمشيئة اللّه/ إِنَّ ما ورد في بيانات الوحي ، منها : بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « ... ونحن إِذا شئنا شاء اللّٰـه ، وَإِذا كرهنا كره اللّٰـه ، الويل كلّ الويل لِـمَنْ أَنكر فضلنا وخصوصيَّتنا ، وما أَعطانا اللّٰـه ربُّنا ؛ لأَنَّ مَنْ أَنكر شيئاً مِمَّا َأعطانا اللّٰـه فقد أَنكر قدرة اللّٰـه عزَّوجلَّ ومشيته فينا ... »(1). براهينٌ وحيانيَّةٌ دالَّةٌ على : أَنَّه لَـمَّا كانت طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ـ وتتبعها طبقات حقائق ذواتهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) المتوسطة والنَّازلة ـ فانية في حكاية الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، ولا تُري نفسها ، بل محكيِّها ـ الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ـ اِنْعَكَسَتْ فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات المُقدَّسة ، منها : المشيئة الإِلٰهيَّة. نظيره : ما مرَّ في مثال المرآة شديدة الصَّقل والصَّفاء والاِنعكاس ؛ فإِنَّها لا تُري نفسها ، بل محكيِّها . وما مرَّ في مثال : (الصرح) في قضيَّة بلقيس الواردة في بيان قوله (عَزَّ ذِكْرُهُ) : [ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ] (2) فلشدة شفافيَّته وتمرُّد ذاته وانمحائها وفنائها في (اللُّجَّة) اِنمحاء وفناء حكاية لم يُرِ نفسه ، بل مـحكِيَّه ـ اللُّجَّة ، أَي : الماء الغزير ـ انعكست فيه جميع شؤون اللُّجَّة وصفاتها وأَسمآئها ، ومن ثَمَّ حسبته ماءً غزيراً فكشفت عن ساقيها ؛ لتتخطَّاه ، ولَـمَّا أُخبرت بالواقع ـ وأَنَّه صرح مُمرَّد ـ آمنت من دون مهلة ونظر وتردُّد ؛ لإِلتقاطها إِشارة معرفيَّة وتوحيديَّة لمعنىٰ تجلِّي وظهور الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة في المخلوقات المُكرَّمة . هكذا حال طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة ؛ فإِنَّه لَـمَّا كانت ذواتها وحقائقها وماهيَّاتها فانية في الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة فناء حكاية ـ كما أَشارت إِلى ذلك بيانات الوحي ، منها : بيان النَّاحية المُقدَّسة الوارد في حقِّهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم : « أَسأَلُكَ بما نطق فيهم من مشيئَتِكَ ، فجعلتَهُمْ معادنَ لكلماتِكَ ، وأَركاناً لتوحيدِكَ ، وآياتكَ ومَقاماتكَ الَّتي لا تعطيل لها في كُلِّ مكانٍ ، يَعْرِفُكَ بها مَنْ عَرَفَكَ ، لَا فرق بينكَ وبينها إِلَّا أَنَّهم عبادُكَ وَخَلقُك ... فَبِهِمْ ملأَتَ سماءكَ وَأَرضكَ حتَّىٰ ظهر : أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا أَنْتَ ... »(3)، وبيانهم صلوات الله عليهم : « ... هو نحن ، ونحن هو»(4) ـ فلم تُرِ تلك الطَّبقات نفسها ، بل محكيِّها اِنْعَكَسَت فيها جميع شؤون وصفات وأَسمآء الذَّات الإِلٰهيَّة الأَزليَّة المُقدَّسة ، منها : (المشيئة الإِلٰهيَّة) ، فيكون أَحد شؤون وصفات أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ : أَنَّهم إِذا شاءوا شاء اللّٰـه ، وإِذا شاء اللّٰـه شاءوا ؛ لإِندكاك ذواتهم المُقدَّسة بالذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة إِندكاك حكاية. مضافاً : أَنَّ المشيئة الإِلٰهيَّة مخلوق من مخلوقات عَالَم الأَسمآء والصِّفات الإِلٰهيَّة ؛ عَالَم السَّرمد والأَزل. فانظر : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : « خلق اللّٰـه المشيئة قبل الأَشياء ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة »(5). وبيانه صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيضاً : « خلق اللّٰـه المشيئة بنفسها ، ثُمَّ خلق الأَشياء بالمشيئة »(6). ومخلوقات عَالَم الصفات والأَسمآء الإِلٰهيَّة أَحد طبقات حقائق أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ الصَّاعدة. فلاحظ : بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الرِّضا منضَمّاً إِليه بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «إِذَا نَزَلَتْ بكم شدَّة فاستعينوا بنا على اللّٰـه ، وهو قول اللّٰـه : [ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ] (7) ، قال : قال أَبو عبداللّٰـه عَلَيْهِ السَّلاَمُ : نحن واللّٰـه الأَسماء الحسنىٰ الَّذي لا يقبل من أَحَدٍ إِلَّا بمعرفتنا ، قال : فادعوه بها»(8). فإِنَّه حينما تتصاعد طبقات حقائقهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم) المُقدَّسة ؛ ولشدَّة خلوصها للذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ؛ وفنائها في الحكاية تنتفي ماهيَّاتها وذواتها الشَّريفة الخاصَّة ، فلا يُرىٰ فيها ماهيَّة : (مُحَمَّد ، وعَلِيّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ...) وإِنَّما أَسمآء إِلٰهيَّة ، فتكون المشيئة الإِلٰهيَّة طبقة من طبقات حقائقهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم الصَّاعدة ؛ وظيفتها اِنْعِكَاس وحاكية عن مشيئة الذَّات الإِلٰهيَّة المُقدَّسة ، ومن ثَمَّ إِذا شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّت آلاؤه) شاء أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وإِذا شاءوا (عليهم السَّلام) شاء اللّٰـه ـ المُسَمَّىٰ ـ (جلَّ جلاله) ، وإِذا كره كرهوا ، وإِذا كرهوا كره (جلَّ قدسه). وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 26 : 7/ح1. (2) النمل : 44. (3) بحار الأَنوار ، 95 : 393. (4) مصباح الهداية : 114. (5) بحار الأَنوار ، 4 : 145/ح19. (6) المصدر نفسه /ح20. (7) الأعراف : 180. (8) بحار الأَنوار ، 91 : 6 ـ 7/ح7. تفسير العيَّاشي ، 2 : 42